الخميس، 27 مارس 2008

حب يختلف


نظر الأب إلى ولده نظرة تأنيب ..لقد تعب مع ذلك الولد ،لا يعرف ما يفعل معه ...كان لديه من مرض قلبه ما يكفيه من التعب ،لم ينقصه إلا دخول ابنه إلى طور المراهقة ...."ترى هل تسمى مراهقة لأنها ترهق الوالدين؟؟؟؟ " هكذا سائل الأب نفسه قبل أن يتوجه إلي أبنه الذي طالما أخبره ألا يجلس طويلا أمام التلفاز حتى لا يؤذي عينيه وحتى لا يرسب بدراسته
"ماذا تفعل يا ولد ألم أحذرك من الجلوس هكذا لفترة طويلة أمام التلفاز ....هيا إلى المذاكرة ...هيا و إلا ..."
"لكني أريد مشاهدة المبارة ..."
"المبارة ستعاد أما امتحاناتك فلا...هيا يا ولد إلى ..."
صرخ الولد مقاطعاً إياه :"لم أعد ولداً ....."
ثم أشار إلى بعض الشعيرات التي بدأت تنبت تحت أنفه على استحياء قائلا لأباه المتفاجئ:
"ألا ترى شاربي ..لم أعد ولدا بعد....لقد ضجرت من هذه الحياة لا شيء سوى المذاكرة ولا شيء سواها إلا التأنيب"
أراد الأب أن يصفعه صفعة يودعها كل مشاعره إلا أنه تمالك نفسه واكتفى بليّ أذن ابنه بين أصابعه دافعا إياه إلى حجرته
"إلى حجرتك ولا أريد رؤية وجهك القبيح .."
دخل الولد إلى حجرته والشرر يتطاير من عينيه......
"كيف يجرؤ على معاملتي بهذا الشكل ...أما كفاه إحراجي أمام أصدقائي..ولا توبيخه إياي أمام زملائي وما فيها أن أدخن معهم ..... فلا يجرؤ أحد من آبائهم بتوجيه نصف كلمة إليهم ..."
"أما اكتفى بإصراره على عدم مصاحبتي من أشاء ...لمجرد أنني استمتع معهم بأسلوبهم في الحياة ....
إذا كان هو لم يكتف فقد اكتفيت أنا سألقنه درسا لن ينساه .." .
وضع ملابسه في حقيبة صغيرة وعاين ما معه من نقود ثم فكر قليلا ودارت عيناه في الحجرة لتتوقف على جهاز الآي بود الذي أهداه إليه والده في الذكرى يوم مولده فأخذه معه فقد يحتاج لبيعه للحصول على المال....ثم ما لبث أن تذكر بطاقة أبيه الائتمانية ...لقد أعطاه أباه إياها، كي يجري سحبا ً لثمن أحد دروسه ..بالتأكيد ستفيده...
"سرقة ...لا، أنا أسرق ما سيكون لي " لم ينتبه لما قال فحتى كلماته أدانته ..
اطل برأسه من الغرفة ولما لم يجد أحد يعوق طريقه ،استجمع خراقته وأسرع بالخروج.
بعد أن لامست قدماه ارض الشارع ،تنفس الصعداء، وأنطلق إلى بيت صديق له، كان أباه قد منعه من التردد عليه، أو مصاحبته....يعلم أن أباه لن يصل إليه هناك.
استقبله الصديق بنظرة دهشة تلاشت تدريجياً مع شرح الوضع ....
"أعرف أنك تستقبل أصحابك بالبيت.......
فقط عدة أيام حتى أتدبر أمري ...لن يمانع أبواك أليس كذلك ؟؟؟؟؟"
"كم تملك من المال؟؟؟ "
"ما يكفي لمدة أربعة اشهر على الأقل ، وهذا الجهاز ....."
"لا مانع من بقائك والدي مسافران إلى ستوكهولم لحضور مؤتمر عن حقوق الإنسان...تصور سيناقشان حقوق الأبناء!!!!"
"كم سيغيبا؟؟؟؟"
"أمامها فترة أسبوعان بعدها يمكنك أن تذهب لشقتنا المجاورة فهي مخصصة لي من أجل المذاكرة واستقبال أصدقائي لكن الغرض الأخير فقط هو ما تُفتح من أجله "
"سأعيش حياتي بحق هذه الأيام أشعر بهذا ..." هكذا حدثته نفسه الشقية .
دخن كما لم يدخن من قبل .... فعل كل ما شعر أنه سيغضب أباه لو علم بأمره .
ثم بدأ مرحلة جديدة من حياته بالأحرى أنزلق إلى مستنقع آخر ...تعرف على الأفعى الناعمة (المخدرات).. التي سرعان ما أحاطت به تعتصره عرف كيفية تعاطيها، وأماكن شرائها، وأماكن تعاطيها، التي لم تقل بذاءة عن أماكن بيعها ...
شيء واحد بدأ يضايقه ويشعره أنه ليس على ما يرام ...
نفاذ المال .....وفي وقت أقصر مما توقع .....
"ما كان صديقي ليرفض إقراضي فأنا أنفق عليه منذ أقمت هنا ..."
خاب ظنه فقد طلب منه صديقه المخلص أن يرحل بحجة واهية عن أن أباه قد باع شقة المذاكرة عندما رآه لا يستخدمها بهذا الغرض .
هكذا غادر صديقه المزعوم وفائه إلى الشارع لا يدري ماذا يفعل، ولا إلى أين يذهب، خطر إليه أن يذهب إلى المنزل، وقبل أن يقرر أن ذلك مستحيل الحدوث ، صرخ جسمه مقاطعا تساؤلاته مطالباً إياه بالسم الذي يعطيه إياه ....
ذهب ليشتري المخدرات ، ولم يجد ما يشتريها به سوى ساعته ..تذكر يوم أعطاه والده إياها ، لم يرد أن يتخلى عنها لكن جسده يتمزق،وكانت هي كل ما بقي معه ،وبعد فترة أفاق من الخدر وأخذ يمشي في الشوارع لا يعرف إلى أين تقوده قدماه إلى أن وجده أمامه ... بيته...
"بيتنا ..."أخذ عقله يلوك الكلمة وكأنه يتعرف عليها للمرة الأولى ...
أحس بالتعب والإرهاق والشقوة وتوقف طويلا يفكر ما الذي فعله أباه به؟ ..لا بل ما الذي فعله هو بنفسه؟.....
تجمعت الدموع في عينيه ....فليصعد ويتحمل ما سيفعله أباه به .....
عليه أن يعترف لقد اخطأ التقدير قليلاً...
صعد فوجد البيت خاليا توجه إلى غرفته وارتمى على سريره واستسلم للنوم .....لكنه سرعان ما استيقظ على صراخ عالي..
أفاق ليجد أمه تهزه بقوة وتضربه على صدره ولا تزال على هذه الحال حتى تدخل خاله، فيجذبه عمه ليوقفه على قدميه، ويصفعه بقوة وهو لا يستوعب شيء مما يحدث .....
لماذا تصرخ فيه والدته ؟...
لماذا صفعه عمه ؟....
أين أباه ؟....
لماذا تجمع أقاربه ؟....
ولماذا يرتدون السواد ؟.......
فجأة أستوعب الموقف غص حلقه ببكاء عينيه وسقط مغشياً عليه .
أفاق ليجد نفسه بغرفة أشبه بغرف المستشفيات أجال بصره بالمكان ليجد خاله يقول له:
" بمصحة للإدمان إذا كنت تتساءل أين أنت ..... كان هذا قرار عمك فوالدتك لا تقوى على فعل شيء "
"هل مات يا خالي ؟؟؟...أبي، هل مات؟؟"
"...........................نعم أعياه ذهابك.............. و أمات قلبه المريض أن لم يجدك .."
انخرط الفتى ببكاء حارق ، نظر إليه خاله وعلى وجهه تعبير فلسفي حزين ً ،واخذ يفكر" ترى ما العمل مع ذلك الأحمق؟ كيف سيواجه نفسه قبل أن يواجه العائلة والمجتمع؟".
أراد أن ينطق بعض العبارات الجارحة ليلومه لكنه أمسك عن ذلك....إن قسوة ندمه حيث لا ينفع الندم ، به من العقاب ما يجعل خاله يقترب من حد الإشفاق عليه ..
يكفي فقده لأحد أبواب جنته ...و أنه لن يجد من يعوض عليه ذلك الصدر، الذي طالما حمل له بين جنباته حباً أكبر من أن يوصف، ولا ينتظر مقابل ، لأنه حب من نوع خاص ....حب يختلف .

ليست هناك تعليقات: